*الخبير المالي والاقتصادي أحمد بهجة كتب اليوم في جريدة البناء بعنوان: لماذا لا نقوم كلبنانيين بما علينا لإنقاذ بلدنا؟*

عاجل

الفئة

shadow



يُخطئ اللبنانيون كثيراً إذا اعتقدوا أنّ ما عليهم فعله في هذه المرحلة هو فقط انتظار أن تنضج أجواء المصالحات المستجدّة في المنطقة هذه الأيام، وتصل إلى خواتيمها السعيدة، وتجلب لهم الحلول المناسبة للأزمات المعقدة والمتراكمة فوق رؤوسهم منذ زمن.
صحيح أنّ لبنان يتأثر حكماً بالظروف الإيجابية بين دول المنطقة والخروج من الصراعات التي استمرّت سنوات طويلة وصعبة إلى رحاب التلاقي والحوار، لكن هذا التأثر الإيجابي بما يحصل في المحيط العربي والإقليمي لا يكفي وحده لكي ينتشل بلدنا من هذا القعر الذي وصلنا إليه بفعل فاعل داخلي بالدرجة الأولى قبل الحديث عن انعكاس السلبيات الخارجية السابقة علينا.
لذلك إذا أردنا الاستفادة من الأجواء الجديدة في المنطقة فما على الأفرقاء في الداخل إلا المبادرة كلّ من جهته إلى فعل الأمر نفسه، والذهاب إلى توجهات مماثلة لتلك التي ذهبت إليها دول المنطقة، سواء بالنسبة للاتفاق الإيراني ـ السعودي برعاية الصين، أو لجهة التقارب بين سورية والسعودية، وبالتالي بين سورية وغالبية الدول العربية، والذي قد يتطوّر إيجاباً أكثر فأكثر وصولاً إلى القمة العربية المقرّر انعقادها في 19 أيار المقبل في الرياض التي من المرتقب أن يكون نجمها الرئيس الدكتور بشار الأسد.
إذن... على الأفرقاء السياسيين في لبنان أن يبادروا بإيجابية  تجاه بعضهم البعض، وأن يضعوا كلّ الخلافات جانباً، لأنّ إنقاذ البلد مهمة سامية وجليلة تأتي في مرتبة متقدّمة وأعلى من أيّ عمل سياسي أو مصلحي مرحلي، كون الإنقاذ فيه مصلحة لجميع المواطنين وللاقتصاد الوطني بأسره، بينما السياسات الآنية قد تحقق بعض المصالح الضيّقة والمؤقتة لهذا الطرف أو ذاك، لكن هذه الأمور لا يمكن أن تدوم طالما أنّ البلد كله مأزوم ويعاني ويُستنزف بشكل دائم.
لننظر إلى الاتفاق السعودي ـ الإيراني برعاية الصين، ولنأخذ منه الدروس والعِبر، فـ أطرافه الثلاثة دول مقتدرة ولديها موارد طبيعية وبشرية وصناعية هائلة، وهي قادرة على أن تلبّي احتياجات شعوبها في كلّ مجالات التنمية، لكنها وصلت إلى خلاصة مفادها أنّ استمرار الخلافات في ما بينها، وتحديداً بين السعودية وإيران، لن يفيد أيّ منهما، بل على العكس يُلحق بهما معاً خسائر جسيمة يمكنهما تفاديها، وهذا ما حصل من خلال اتفاقهما، خاصة أنّ الاتفاق هو برعاية دولة مثل الصين التي لم يُسجَّل في تاريخها أنها استغلت الشعوب الأخرى لمصالحها، بل كانت دائماً تتبادل المصالح مع الدول فتفيدها وتستفيد منها في الوقت نفسه، كما حصل في أزمنة سابقة في ما سُمّيَ "طريق الحرير"، وهي تجربة تاريخية مهمة جداً تعمل الصين وشركاؤها اليوم على استعادتها في مشروع "الحزام والطريق"، وهو مشروع واعد بإنجازات كبيرة جداً يستفيد منها كلّ الشركاء...
هذا الدرس يجب أن يستوعبه اللبنانيون جيداً، وأن يقوموا بما يشبهه في ما بينهم، وذلك بوضع خلافاتهم جانباً مهما كانت هذه الخلافات كبيرة وجذرية، والجلوس جميعاً إلى طاولة حوار يكون فيها الحديث صريحاً ومباشراً، والاستفادة من مبادرات الأصدقاء، للتوصّل أولاً إلى اتفاق على إعادة الانتظام إلى عمل المؤسّسات يُترجَم بانتخاب رئيس جديد للجمهورية ثم تشكيل حكومة جديدة من أولى مهامها استنهاض الإدارات والمؤسسات العامة وبالدرجة الأولى تعزيز القضاء لكي يأخذ دوره كما يجب في محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين مهما علا شأنهم، ويمكن في هذا السياق التعاون مع الأجهزة القضائية في الدول الصديقة خاصة في أوروبا حيث تستقرّ عادة الأموال المهرّبة والمنهوبة والتي يجعلها الفاسدون النافذون مُحوّلة بطرق قانونية، وهذا ما تتمّ ملاحقته في باريس وغيرها حيث كان بعض كبار المصرفيّين في القطاعين الرسمي والخاص يسرحون ويمرحون ومعهم شركاؤهم من السياسيين ورجال الدين والإعلاميين وغيرهم.
في المحصّلة... لا يمكن أن تقوم قائمة لهذا البلد إذا طبّقنا مقولة "عفا الله عما مضى" وتعالوا نضع خطاً فاصلاً وننطلق إلى مرحلة جديدة، لأننا بهذا الشكل نكون كمن يبني على باطل، ومعروف أنّ ما بُنيَ على باطل هو باطل... ولذلك لا بدّ من استعادة أموال المودعين ومعها ما جرى نهبه من الخزينة العامة ومحاسبة المرتكبين من دون أيّ استثناء، حتى ننطلق إلى المرحلة الجديدة على نظافة... وبعد ذلك يأتي دور الحديث عن خطط التعافي والإنقاذ والاتفاق مع صندوق النقد الدولي والتوجه غرباً وشرقاً...

الناشر

هدى الجمال
هدى الجمال

shadow

أخبار ذات صلة